فالهداية والاستقامة على دين الله نعمة عظيمة من الله – عز وجل – يمن بها على من يشاء من عباده ممن هو أهل لها وجدير بها ومما يفرح القلب ويثلج الصدر أن نشاهد في كل مكان شباب نور الله قلوبهم وأنعم عليهم بالهداية التي نسأل الله تعالى أن يثبتهم عليها وأن يمن على غيرهم ممن هم لا يزالون في غيهم سادرون وفي لهوهم ساهون بالهداية لصراطه المستقيم . ولكن ما يدعو إلى الحزن والأسى ما يلاحظ على بعض أولئك الشباب الملتزمين من بعض المظاهر السلبية التي تخل بالتزامهم وتؤثر في إيمانهم , والتي سنحاول ذكر بعضاً منها , ولعل من أهمها :
1- عدم الخشوع في الصلاة :
حيث أصبح هذا شيئاً معتاداً عند كثير من الناس – إلا من رحم الله – والله سبحانه وتعالى عندما ذكر أوصاف المؤمنين قال : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) فإذا كان الخشوع سبب الفلاح في الدنيا والآخرة فحري بكل مسلم أن يتحرى الخشوع في صلاته وأن يؤديها بسكينة وحضور قلب , وأن يحافظ على أركانها وشروطها وواجباتها وسننها على أكمل وجه وأحسن صورة . لا أن يؤديها ببرود وكسل , أو ينقرها كنقر الغراب وتصبح الصلاة عنده مجرد عادة يومية .
2- عدم التبكير للصلاة :
سواء صلاة الجماعة أو صلاة الجمعة , حيث أن بعض الملتزمين يتأخر أحياناً ولا يأتي إلا قرب دخول الخطيب أو بعد ما يشرع في الخطبة , وفي صلاة الجماعة أيضاً قد يتأخر ولا يأتي إلا قرب الإقامة بل إن بعضهم قد تفوته الركعة أو الركعتان , أو على الأقل تفوته تكبيرة الإ
, وهذا التأخير قد يتكرر من الواحد منهم مراراً وتكراراً ورغم ذلك لا ينتبه له ولا يهتم وكذلك فإن بعض الملتزمين لا يسابق للصفوف الأولى رغم ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك بقوله: ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ) رواه مسلم .
فتجد الواحد منهم يدخل المسجد مبكراً ، ويرى الصف الأول فيه أماكن شاغرة فلا يجلس فيها ، بل يجلس في أي مكان آخر من المسجد . وقد يرى بعضهم مكانً شاغراً خلف الإمام في المكان الفاضل فيتركه ويذهب لآخر الصف أو وسطه ، وهؤلاء قد حرموا أنفسهم أجراً عظيماً.
3- عدم الحرص على أداء النوافل :
من صيام النافلة كصيام الاثنين والخميس أو عشر ذي الحجة أو على الأقل صيام أيام البيض وهي ثلاثة أيام من كل شهر أو صيام يوم عرفة أو يوم عاشوراء ، وكذلك التكاسل عن صلاة النافلة كقيام الليل أو السنن الواتب أو صلاة الضحى فقد يكتفي بثلاث ركعات خفيفات وبعضهم قد يصلي خمساً ، وقليل منهم من يصلي في الليل إحدى عشر ركعة كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
4- عدم الإكثار من قراءة القرآن وحفظه :
ولا شك أن قراءة القرآن من أهم وسائل الثبات على دين الله تعالى ، وهي من أفضل الأعمال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) رواه البخاري وقال عليه الصلاة والسلام ( أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ) رواه النسائي وأحمد ، قال صلى الله عليه وسلم ( اقرأوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً لصاحبه يوم القيامة ) رواه مسلم ، وقد يمر على بعض الملتزمين اليوم واليومان والثلاثة والأربعة وهو لم يقرأ شيئاً ، وإن قرأ فقد يقرأ شيئاً يسيراً وبعضهم قد يمر عليه الشهر والشهران وهو لم يقرأ شيئاً من القرآن ، وهذا لا شك أنه من الحرمان للعبد .
5- ترك الأوراد والأذكار :
كأذكار الصباح والمساء ، والأكل والنوم وغير ذلك من الأذكار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كثيراً ممن عليه الاستقامة والصلاح غالباً لا يحافظ على هذه الأوراد والأذكار ، وتجده لا يذكر الله إلا قليلاً ، وبعضهم قد يمر عليه اليوم كاملاً لا يذكر الله فيه إلا قليلاً جداً أو لا يذكره نهائياً ، ولقد رغَّب الله تعالى في الإكثار من ذكره ، ورتب على ذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل فقال عز من قائل : { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } ويقول صلى الله عليه وسلم ( سب المفردون ) قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال ( الذاكرون الله كثير والذاكرات ) رواه مسلم .
ومع كل هذا الفضل للذاكر إلا أن بعضهم قد يجلس لوحده أو قد يمشي في سيارته وتمضي عليه الساعات الطوال وهو ساه لاه و لا يغتنم هذه الفرصة بذكر وتسبيح وتحميد واستغفار لله تعالى ونحو ذلك.
6- سوء الأخلاق والمعاملة :
فتجد بعضهم يكون ملتزم ظاهراً – ونسأل الله أن يكون كذلك – لكنه سيء الخلق ، وهذا يظهر في المنزل أولاً ، ويكون سيء الخلق مع والديه ، ومع إخوانه وأخواته وأقاربه ، وأيضاً سيء الخلق في مدرسته وفي عمله وفي أي مكان وإذا عامل الناس عاملهم بشدة ، وعدم سماحة ، ودم لين ، وعدم تقدير للمواقف التي تحتاج إلى سماحة ولين وعفو ، فلا تجده سمحاً في البيع ولا سمحاً في الشراء ، بل يأخذ الذي له وقد لا يعطي الذي عليه ، وإن أعطي أعطى بمنه ، وقد يغش في بيعه أيضاً وقد قال صلى الله عليه وسلم ( من غشنا فليس منا ) رواه مسلم . ولا شك أن هذه الصفات ليست من صفات المؤمنين والتي ينبغي للإنسان الملتزم أن يكون أول المبتعدين عنها وأن يكون هو قدوة حسنة في حسن خلقه وتعامله مع الناس ، لما لهذه الصفة من الفضل العظيم قال صلى الله عليه وسلم ( أكثر ما يدخل الناس الجنة ، تقوى الله وحسن الخلق ) رواه الترمذي وصححه الحاكم ، وقال صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) رواه البيهقي .
7- عدم تقبل النصيحة :
فإن بعض الملتزمين لو أهدى له أحد نصيحة أو بين له مخالفة يراه مرتكباً لها فإنه يتبرم ويضيق صدره ويتمنى أن لو لم يسمع مثل هذا الكلام ، وقد يرى أن في إهداء النصيحة له فيه تصيد لعيوبه , ويرى أنه إتهام له بالتقصير , لأنه في نظر نفسه ملتزم ولا يحتاج لوعظ , وهذا خطأ منه , لأن كل إنسان معرض للوقوع في الخطأ والتقصير , وليس أحداً معصوماً غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فحري بمن أهدي له نصيحة صادقة أن يتقبلها بصدر رحب وأن يحاول أن يعمل بها إذا كانت موافقة للكتاب والسنة .